ليبيا بعد عام من الثورة .
ما الذي كسبناه ؟ و ما الذي تغير ؟ و ما الذي على حاله لم يمس ؟
بدا لي أن سؤالا جوهريا يتردد في كل الأركان و صداه يسمع من به صمم سؤال الهرب منه أشبه بالمستحيل و الاحتيال عليه أمر غير ممكن ، وهو ببساطة ما الذي تغير في ليبيا بعد عام من الثورة ؟ هل حقا سقط النظام الديكتاتوري بالكامل أم أن بعض من مسؤؤليه السابقين لا يزالون أصحاب دور كبير في الحياة السياسية الليبية و بالتالي فالقول بسقوطه تسرع وتفاؤل في غير محله ؟ أم أن الأمر لا يحسب هكذا و الثورات لا تعد بالأشهر و السنوات القليلة بل تحتسب نتائجها بالعقود و القرون ؟ ما بين متفائل يعتبر أن كل ما نريده قد تم وحققناه و أخر متشائم يرى أننا لم نغير شيئا إلا العلم و النشيد تتعدد مواقف أخرى وسطية الفهم تحاول إمساك العصا من منتصفها قدر الإمكان و تدعي إلى هذا الحد أو ذاك عقلانية ما و اتزان ما يرتب مصلحة أكيدة في الصبر على الحكومة و الصبر على المجلس و الصبر على حال البلاد شخصيا لم أكن يوما عدوا للصبر على بل بالعكس لطالما أدمنته قدر ما توفر أما اليوم فلا أرى فيه إلا وجه مسكن خادع يجرعه المجلس أو الحكومة للناس قصدا و عن سابق إصرار و تصميم و بموافقة شبه تامة من الكثير من النخبة لفرط عقلانيتها التي ليست أكثر من تعبير صامت و ظاهر عن عجز كامل .
و العجز نفسه حال تعتري البشر الأفراد و تعترى البشر الجماعات و لا اعتراض لي عليه اللهم إلا اعتراض الرغبة الجامحة في تسجيل الموقف المضاد و الرغبة الجامحة في قراءة لمستقبل البلاد تحفها دائما مخاطر الخطأ .
من ناحية يجب الاعتراف للمتشائمين ببعض الحق فيما يقولونه فالظاهر في كثير من الأحيان أن موت طاغية ما أو سقوط نظامه لا يعني أن طغاة آخرين لا يبرزون من شقوق أخرى في ارض الله الواسعة و لا أن العقلية و الثقافة و المفاهيم تسقط بل قد تعيش مفاهيم الطغاة بعد موتهم الجسدي و في ذلك بعض الحق و لكن بالتأكيد ليس الكثير منه فللمسالة أيضا وجه أخر جدير بالنقاش و التفكير و الأخذ و الرد قدر الجهد و الاستطاعة .
كما أن للمتفائلين الكثير من الأسباب التي تدعوهم للاستبشار خيرا فالانتخابات قادمة و الدستور قادم و الحرية وجدت أخيرا لهم بالتأكيد الحق في قول ذلك لكن للمسالة أيضا وجه أخر يضعف رؤاهم و يجعل تفاؤلهم مفتعلا في كثير من الأحيان و استثمارا في أحيان أخرى .
و للمطالبين بالصبر بعض الحق في طلب إمهال المجلس أو الحكومة إذ لطالما وجد لكل حكومة مناصرون يهوون مدها بالوقت حتى يقوى ساعدها فتطيح بالشعب في ضربة قاضية حاسمة لكل هواه ولكل مبرراته ذلك أمر ظاهر ولكن المسالة في مكان أخر من كل هذه الحرب .
لا يتعلق أمر الثورة لا بالتفاؤل و لا التشاؤم و لا حتى ادعاء الرزانة و الحكمة و الصبر بل بشيء أخر يتعلق أمر الثورة بفهم المجتمع فهم البنية العميقة للمجتمع فهم تطوراتها و تقلباتها و لا يتعلق بتكرار الاحتفالات و تسمية الأيام بل بدرس العبر و قراءة موازين القوى على الأرض فكل التجارب الضخمة المؤلمة و الفرحة في أن لها ما بعدها و ما بعدها ليس أبدا كما قبلها لذلك أقول تحقق الكثير في ليبيا بعد ثورة 17 فبراير صحيح انه ليس كل ما نريد و لكنه أيضا كثير و كبير صحيح أن هناك عقليات و طرق تفكير قديمة موجودة و تمارس عجزها علنا أمامنا لكنها بفضل الثورة تستند إلى خلفية تغيرت كثيرا عما قبل ثورة 17 فبراير فالقوى السياسية المختلفة في ليبيا أحزابا و حركات وجبهات و والحكومة وبعض الشرائح المجتمعية التي تشكل وزنا قويا في ارض الواقع المجتمعي كشريحة التجار الكبار مثلا تستند إلى واقع يجعل كل منها جزيرة صغيرة منعزلة قوة موجودة نعم لكنها غير قادرة على حسم شيء صحيح أن نواة الحكومة في البلاد قد نشأت و تركبت و فات فيها الفوت لكنها تركبت ضمن حال عجز و ضعف لا يسمح لأحد بحسم خيارات المجتمع الأساسية و لا يسمح لأحد بالحصول على أكثر من حصة في وزارة أو في برلمان أو في رئاسة لا أكثر و لا اقل لا احد يقدر بعد 17 فبراير على اخذ كل الخيارات و لا الحصص و لا الوزارات و لا الرئاسات فلينسى إذن كل طاغية مستقبلي طموحه و ليفكر في مهنة أخرى تعود عليه بنفع اكبر !!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق