الخميس، 13 سبتمبر 2012

كتب-- زاوية في جريدة الشارع؛ قصتي مع البيرتو مورافيا!!

                                  يوغل في الظلام الدامس.......... لكنه لطيف جدا

                               احمد التهامي
                                                            (1)
نشأت في خضم عالم من ورق... عالم كانت فيه القراءة محور نشاطي اليومي لساعات طويلة ولسنين عديدة في حاله هي  تشبه الاعتكاف المزمن! كانت القراءة وعملية اقتناء الكتب بالنسبة لي متعة خالصة متعة صافية منزهة عن الغرض(لا يعجبني هذا التعبير ساعدله واقول: متعة تملك  الاحاسيس  فتغمرها وتعزل الفرد عن الدنيا والناس) متعة لم تكن تتعلق بالدراسة او الجامعة والعمل كانت لذة خالصة لا تشوبها رائحة الفائدة ..وفي السنوات السبع الاخيرة اصابتني لوثة النقد الادبي المستند لنظريات تحليل الخطاب والعلم ومن ثم اتجهت لكتابة الدراما التلفزيونية فكدت افقد متعتي القديمة دون ان احس..كان الوقت ضيقا جدا لا يكاد يكفي لقراءات مبرمجة مسبقا لصالح العمل قراءات لا مكان فيها للاحاسيس والمشاعر.. حتى جاءت بدايات سنة2011م وجاءت الثورة ثم الحرب فارغمتني الظروف على الجلوس من غير عمل فالتفت الى مكتبتي عفوا استل منها كتبا تعينني على قتل الوقت الفائض وسرعان ما كرت الايام سبحتها واكتشفت اني متروك على قارعة الطريق خالي الوفاض من غير زاد الكتب!!وان مخزوني من الكتب القابلة للقراءة واعادة القراءة لا يكفيني للمدة الطويلة الموحشة التي كتب علي ان اقضيها لاجئا بين ضفتي مكتبتي التي توزعت عفوا بين وسط الحوش والمربوعة.. واذكر جيدا انه في تلك الايام بالذات ولدت في داخلي رغبة همجية الطابع سرعان ما استبدت بي وانتشرت في جسدي كله وقادتني كالاعمى.. كنت اراني طوال الوقت محاطا بالكتب راغبا في القراءة في اصعب ظروف الحرب واقساها!! تلوح امام ناظري صورة حلم وانا في اشد لحظات اليقظة والانتباه!! صورتي نائما منطرحا على ارض الغرفة محاطا بدائرة من كتب.. وفي نهاية اللقطة العابرة صفرة قهوة مهملة تنشد الاهتمام!! فاستجبت لرغبتي الهمجية واندفعت اغير على محلات الكتب القديمة في شارع عمر المختار اغب منها تاركا احاسيس اصابعي تختار الكتاب بحسب اللذة المتوقعة منه دون اكتراث بحاجتي العملية اليه! فاختلطت الروايات بالدراسات بالتاريخ ولم تعد الحدود بين اجناس الكتب تعني لي شيئا!! فجأة!!.
                                                          (2)
من بين الكتاب اللذين استعدت متعة قراءتهم والتلذذ باعمالهم والانقطاع عن الدنيا اليهم يقف الايطالي البيرتو مورا فيا  ( روائي روما الاول)على قمة وحده! ويجاوره على القمم الاخرى قلة مختارة وفقا لضوابط الاحاسيس والمشاعر دون تعقل! والجميل في قصتي مع مورا فيا  انني كنت قراءت عنه قبل ان اعرفه! اي اعرف اعماله( سيكون من الممتع مناكفة الوسط الادبي الليبي بادعاء انني قد عرفته شخصيا!  ساتنازل عن هذه المتعة مجانا لهواة صالونات التعارف الادبي) اذ لطالما مر بي اسمه في كتب التاريخ الادبي المترجمة صحوبا بهذا الوصف الكلاشيه: روائي الطبقة الوسطى الرومانية( نسبة لمدينة روما وليس للعصر الروماني ) وفي يوم من منتصف التسعينيات كنت اغادر بيتي الى شارع مجاور وقعت على كتاب ممزق الغلاف ليس فيه اي اشارة الى المؤلف او النوع الادبي او دار النشر او حتى تاريخه لاشي الا النص خالصا تماما من كل عقد( ظلت حالة النص المجرد من السياق هذه تسعفني في صياغة افتراضاتي البحثية المتعلقة باولوية البناء النصي على السياق الخارجي لسنوات) التقطت الكتاب وشرعت في قراءته فلم يفارقني لسنوات الا لماما!! و عرفت من النص انه رواية وخلال سنوات كنت ارجح بيني وبين نفسي انها لالبيرتو مورافيا دون ان امتلك دليلا واحدا يؤيد هكذا زعم الا الحس والفكر المجرد حتى بداية سبتمبر 2012م حين ادخلني صديق صاحب مكتبة الى مخزن مكتبته في حالة كرم استثنائي لم تمر بي قبلا دهشت لها وفرحت بها فاستوقفني كتاب لمورافيا فاذا بالكلمات هي نفسها تلك التي قراتها في الرواية منزوعة الغلاف والسياق لسنوات !! اكتشفت انها رواية " السأم" لالبيرتو مورافيا.
                                                         (3)

هكذا عرفت مورافيا قبل ان اقراءه واستمتعت بلذة عمله استجابة لاحاسيسي دون تدخل معارف السياق الخارجي فيها! ولدت المتعة قبل حدوث المعرفة تلك التجربة العميقة قادتني الى تحسس  مسار داخلي للروح يوغل في الظلام الدامس... لكنه لطيف جدا....

               

بحث هذه المدونة الإلكترونية